هل تُجبر حرب الرسوم الفيدرالي على إعادة رسم خريطة السياسة النقدية؟
جدل حاد داخل الفيدرالي حول خفض الفائدة
يشهد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (Fed) واحدة من أكثر مراحل الانقسام جدلًا في تاريخه الحديث، مع تصاعد الخلافات بين أعضائه حول توقيت خفض أسعار الفائدة وسط حالة ضبابية فرضتها الرسوم الجمركية الجديدة التي أقرّها الرئيس ترمب. وبينما يرى فريق أن تأثير هذه الرسوم على التضخم مؤقت ويجب تجاهله، يُحذّر فريق آخر من مغبة التسرع في اتخاذ قرارات قد تعمّق المخاطر التضخمية على المدى الطويل، خصوصًا في ظل اضطرابات التجارة العالمية.
فريق "المرونة المؤقتة": تجاهل الأثر والتركيز على المؤشرات الجوهرية
يبرز في هذا المعسكر كريس والر، عضو مجلس محافظي الفيدرالي، الذي شدد مؤخرًا من سيول على أن الأثر التضخمي للرسوم الجمركية "لن يكون دائمًا"، معتبرًا أن "توقعات التضخم ما تزال راسخة". يرى والر أن السياسة النقدية يجب ألا تتجاوب مع تقلبات انتقالية، خاصة وأن قوة سوق العمل وتراجع التضخم حتى نهاية أبريل تمنح الفيدرالي مزيدًا من الوقت لقراءة المشهد.
كما أوضح والر أنه "إذا واصل التضخم الاقتراب من هدف الفيدرالي عند 2%، وحافظ سوق العمل على متانته، واستقرت الرسوم عند مستويات معتدلة، فهناك مجال لخفض الفائدة في وقت لاحق من هذا العام."
هذا التوجه يلاقي دعمًا من البيت الأبيض، حيث يؤكد الرئيس ترمب مرارًا على ضرورة خفض الفائدة وعدم المبالغة في تقدير أثر الرسوم على الأسعار.
فريق "الحذر والانتظار": تثبيت الفائدة وتجنّب دوامة التضخم
على الجهة المقابلة، يتمسك نيل كاشكاري، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في مينيابوليس، ولوري لوغان، رئيسة فرع دالاس، بموقف متشدد يدعو للإبقاء على الفائدة دون تغيير.
يؤكد كاشكاري أن مفاوضات التجارة قد تطول لسنوات، وأن تصعيد الرسوم بين أميركا وشركائها قد يحدث تدريجيًا، مما يستوجب "الحفاظ على توقعات التضخم طويلة الأجل".
أما لوغان، فقد شددت في رسالتها الأخيرة على أن "سعر الفائدة في وضع جيد حاليًا، وأي تعديل يجب أن يكون مدروسًا للغاية"، محذرة من أن خفض الفائدة بشكل سريع "قد يخلق دوامة تضخم يصعب احتواؤها" رغم المكاسب المؤقتة لسوق العمل.
تداعيات السوق والبيانات الأخيرة: تضخم مقلق أم عوامل توازن جديدة؟
تكشف محاضر اجتماع الفيدرالي الأخير عن قلق بعض الأعضاء من أن الرسوم على السلع الوسيطة مثل الصلب والألمنيوم قد تغذي موجة تضخمية أكثر استمرارية، مع إمكانية حدوث اضطرابات في سلاسل الإمداد على غرار ما حصل في جائحة كورونا.
تزايدت هذه المخاوف بعد إعلان ترمب عن مضاعفة الرسوم على واردات الصلب والألمنيوم إلى 50%، ما رفع حالة التوتر في أسواق السلع والمواد الخام.
مع ذلك، هناك من يرى أن قدرة المستهلكين على تحمل الأسعار المرتفعة بدأت تتراجع، وأن بعض الشركات تفضّل الحفاظ على حصتها السوقية على رفع الأسعار، فيما قد يؤدي ارتفاع الكلفة إلى إضعاف النمو الاقتصادي مستقبلًا.
صراع بين الحذر والطموح في رسم مستقبل السياسة النقدية
الواضح أن مستقبل السياسة النقدية الأميركية أصبح رهينة للتغيرات السريعة في المشهد التجاري والجمركي، مع انقسام داخلي في الفيدرالي يعكس مدى صعوبة اتخاذ القرار في هذه المرحلة.
سيناريو متفائل: إذا ظلت الضغوط التضخمية تحت السيطرة واستمر تحسن سوق العمل، من الممكن أن نشهد خفضًا تدريجيًا للفائدة في نهاية العام.
سيناريو متشائم: أما إذا واصلت الرسوم رفع الكلفة وتعطيل سلاسل الإمداد، فالمرجح أن تبقى السياسة النقدية مشددة لفترة أطول لحين تلاشي المخاطر.
الخلاصة:
ما نشهده اليوم ليس مجرد خلاف تقني داخل الفيدرالي، بل هو اختبار حقيقي لقدرة السياسة النقدية الأميركية على التكيّف مع واقع اقتصادي جديد تفرضه تقلبات الرسوم والتجارة العالمية. أي قرار سيُتخذ في الأشهر المقبلة ستكون له انعكاسات واسعة، ليس فقط على وول ستريت، بل على الاقتصاد الأميركي والعالمي برمته.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet