لماذا قد يكون شراء منزل استثماراً سيئاً؟
يُعد شراء منزل من القرارات المالية الكبيرة التي يتخذها الكثيرون. ومع ذلك، يرى المستثمر الكبير وارن بافيت أن شراء منزل قد لا يكون دائماً أفضل استثمار مالي، حيث يرى أنه يمكن استخدام رأس المال بطرق أكثر إنتاجية. في هذا المقال، سنستعرض لماذا قد يكون شراء منزل استثماراً دون المستوى المطلوب، مع التطرق إلى مفهوم تكلفة الفرصة البديلة وبعض الأمثلة الواقعية.
القصة خلف وجهة نظر بافيت
في أحد الاجتماعات، طرح شخص سؤالاً على وارن بافيت، قائلاً:
"أنا شاب لا أملك منزلاً حتى الآن، وأفكر في شراء منزل قريباً. ولكن من أجل تحقيق ذلك، قد أضطر لبيع بعض أسهمي لتمويل الدفعة الأولى. فهل يمكنك تقديم نصيحة حول التوقيت المثالي لشراء منزل ومقدار الدفعة الأولى المناسبة؟"
رد بافيت قائلاً إنه عندما تزوج، كان لديه 10,000 دولار فقط، وواجه خيارين:
إما أن يشتري منزلاً ويستنزف رأس ماله تماماً.
أو يستثمر هذا المبلغ بطرق أخرى، ربما تمكّنه لاحقاً من شراء منزل أكبر.
في نهاية المطاف، قرر بافيت الانتظار حتى بلغت قيمة الدفعة الأولى نحو 10% من صافي ثروته، ليتمكن من استخدام باقي رأس المال في استثمارات أخرى.
لماذا قد لا يكون شراء منزل القرار المالي الأمثل؟
هناك اعتقاد شائع بأن استئجار منزل هو هدر للمال، بينما يُنظر إلى شراء منزل على أنه استثمار جيد دائماً. ولكن هذا الاعتقاد لا يعكس القصة الكاملة. في الواقع، عند مقارنة دفعات الرهن العقاري بتكاليف الإيجار، يتجاهل الكثيرون التكاليف الإضافية المرتبطة بملكية المنزل، مثل الضرائب العقارية والتأمين والصيانة.
التكاليف الخفية عند شراء منزل
لنفترض أن شخصاً يُدعى علي ادخر المال لسنوات ولديه الآن القدرة على شراء منزل في أمريكا. سنستخدم مثاله لتوضيح التكاليف الخفية عند شراء منزل:
سعر المنزل: 500,000 دولار
الدفعة الأولى: 20% من قيمة المنزل (100,000 دولار)
سعر الفائدة على الرهن العقاري لمدة 30 عاماً: 7%
القسط الشهري للدفعة الأساسية: 2,661 دولار
بالإضافة إلى الفائدة، هناك تكاليف أخرى يجب أخذها في الاعتبار:
الضرائب العقارية: 1.2% سنوياً من قيمة المنزل، ما يعادل 6,000 دولار سنوياً (500 دولار شهرياً).
التأمين على المنزل: حوالي 200 دولار شهرياً.
الصيانة والإصلاحات: يُفضل تخصيص 1% سنوياً من قيمة المنزل، ما يعادل 5,000 دولار سنوياً (417 دولار شهرياً).
بإضافة كل هذه التكاليف، ستصل إجمالي التكاليف الشهرية لعلي إلى نحو 4,270 دولار، مما يجعل شراء المنزل أكثر تكلفة بكثير من مجرد دفع الرهن العقاري.
كيف يتم حساب تكلفة الفرصة البديلة؟
تكلفة الفرصة البديلة تعني العوائد التي كان من الممكن تحقيقها إذا تم استثمار الأموال في شيء آخر بدلاً من استخدامها في الدفعة الأولى لشراء المنزل. لنفترض أن علي استثمر مبلغ 100,000 دولار في سوق الأسهم بدلاً من شراء المنزل، ومع افتراض عائد سنوي مركب بنسبة 10%:
بعد 10 سنوات، ستكون القيمة المستقبلية للاستثمار: 259,000 دولار تقريباً
مما يعني أن علي كان سيحقق عائدات قدرها 159,000 دولار.
عند المقارنة بالعوائد التي قد يحصل عليها علي من شراء المنزل (200,000 دولار بعد البيع)، قد نجد أن الاستثمار في الأسهم كان سيحقق عائداً أعلى. وبالتالي، تكلفة الفرصة البديلة لاستخدام مبلغ 100,000 دولار كدفعة أولى بدلاً من استثماره في السوق تبلغ: 59,000$ لصالح الأسهم.
الخلاصة
من منظور مالي بحت، قد لا يكون شراء المنزل دائماً هو القرار الأمثل، خاصة عند احتساب التكاليف المخفية وتكلفة الفرصة البديلة. ومع ذلك، لا ينبغي تجاهل القيمة غير المادية للملكية، مثل الاستقرار والراحة النفسية. فقد أقر بافيت أنه رغم أن شراء منزله كان استثماراً مالياً سيئاً، إلا أنه كان من أفضل الأموال التي أنفقها بسبب الذكريات التي وفرها له.
في نهاية المطاف، ليس كل شيء في الحياة يُقاس بالمال. امتلاك منزل يوفر شعوراً بالاستقرار والانتماء، وهو شعور لا يُقدّر بثمن. العيش في مكان يمكنك أن تسميه "بيتك"، وتكوين الذكريات فيه، يمنح تجربة فريدة تتجاوز العوائد المالية المباشرة. لذا، ينبغي على الأفراد موازنة الأهداف المالية مع الاحتياجات العاطفية والعائلية عند اتخاذ قرارات مثل شراء منزل.
العقار كخيار استثماري: وجهة نظر مختلفة
على الرغم من أن وارن بافيت يعتبر شراء العقارات غالباً استثماراً دون المستوى، إلا أنني أرى أن العقار يُعد خياراً جيداً بالنسبة لكثير من الناس، خاصة من الناحية النفسية. السبب الأساسي لذلك هو أن العديد من الأفراد يواجهون صعوبة في الانضباط عند الاستثمار في الأصول الأخرى، مثل الأسهم، التي تتسم بتقلب أسعارها بشكل مستمر. هذا التذبذب قد يُسبب ضغطاً نفسياً ويؤدي إلى اتخاذ قرارات عاطفية، مثل بيع الأسهم في أوقات الخوف أو الشراء في أوقات الفقاعة.
في المقابل، يُعد العقار خياراً أكثر استقراراً. أسعار العقارات لا تتغير بشكل يومي أو لحظي مثل الأسهم، مما يجعلها أكثر ملاءمة للأفراد الذين يرغبون في الاحتفاظ بأصولهم لفترة طويلة دون القلق المستمر بشأن تقلبات السوق. العقار يمنحهم شعوراً بالطمأنينة، إذ يعتبرون أنهم يمتلكون شيئاً ملموساً يمكنهم الاعتماد عليه، حتى لو لم تكن العوائد على الاستثمار في العقارات دائماً مساوية لعوائد السوق المالية.
كما أن فكرة تراكم الأصول العقارية تمنح الكثير من الناس إحساساً بالتحقيق والنجاح. حتى لو كانت العوائد المالية على المدى الطويل أقل من الأسهم، فإن الشعور بالاستقرار النفسي والقدرة على توفير بيئة آمنة للعائلة يمثل قيمة كبيرة للكثيرين.