في مشهد اقتصادي معقّد لا يخلو من الضغوط السياسية، يجد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول نفسه في مواجهة مباشرة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الذي يُطالب بتخفيض عاجل لأسعار الفائدة، بينما تتصاعد المؤشرات على دخول الاقتصاد الأميركي في حالة تباطؤ تُهدد بتحوّله إلى ركود، وسط استمرار الضغوط التضخمية الناتجة عن الرسوم الجمركية.
الركود يُطلّ من الربع الأول... وترمب يُصعّد لهجته
سجّل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي انكماشًا بنسبة 0.3%- في الربع الأول من 2025، في أول قراءة سلبية منذ أزمة 2020، نتيجة موجة استيراد ضخمة سبقت فرض الرسوم الجديدة.
يوضح الرسم مقارنة نمو الناتج المحلي عبر السنوات، مع تراجع واضح في 2025.
ورغم هذا التراجع، كشف تقرير الوظائف عن إضافة 177,000 وظيفة في أبريل، مع استقرار معدل البطالة عند 4.2%، ما يعكس صمود سوق العمل حتى الآن.
يُظهر تغيّر مستويات التوظيف ومعدلات البطالة منذ بداية 2023.
لكن ترمب يُصعّد هجومه على الفيدرالي، واصفًا باول بأنه "متأخر دائمًا" و"خاسر كبير"، ومُكررًا مطالبته بـ"خفض فوري للفائدة".
غموض تجاري... وشلل في التنبؤ النقدي
سياسات ترمب الجمركية – التي تشمل رسومًا على الصين وأوروبا وإلغاء إعفاءات جمركية – خلقت بيئة من اللايقين التجاري أربكت الفيدرالي والمستثمرين معًا.
"إنها فوضى متعمّدة" – تقول مورغان ستانلي، مشيرة إلى أن "الغموض الاستراتيجي" الذي يعتمده ترمب يجعل من المستحيل بناء توقعات اقتصادية دقيقة.
كما أوضحت Bloomberg Economics أن عدم القدرة على حساب تكلفة الواردات – كما في حالة تاجر من شيكاغو لا يعلم إن كانت شحنته ستكلّفه 80 ألف أو 200 ألف دولار – يعكس حجم المأزق.
باول في ورطة: نمو متراجع... وتضخم مستمر
رغم تباطؤ النشاط الاقتصادي، لا يزال مؤشر التضخم المفضل للفيدرالي عند مستويات مرتفعة:
3.5% في الربع الأول
و2.6% على أساس سنوي في مارس
يعكس تراجع ثقة المستهلك إلى 86 نقطة فقط في أبريل، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عقد.
الركود بدأ يلوح، ما يدفع البعض لتوقع خفض الفائدة في يونيو، مع مزيد من التخفيضات في الاجتماعات اللاحقة بإجمالي 125 نقطة أساس قبل نهاية 2025.
لكن الفيدرالي يُدرك أن أي خفض الآن قد يُعيد إشعال التضخم، في وقت لا تزال فيه الأسعار مرتفعة نسبيًا، وسلاسل الإمداد متوترة بفعل الرسوم.
هل دخلنا بيئة "ركود تضخمي"؟
رغم وجود مؤشرات توحي بذلك، يرى بعض الخبراء أن الوضع لا يُشبه أزمة السبعينيات.
"لسنا في سيناريو السبعينيات بأي شكل من الأشكال" – يقول لوك تيلي من Wilmington Trust.
"إذا تراجع النمو وثقة المستهلك، فإن التضخم سينخفض تلقائيًا."
لكن على الجانب الآخر، تُحذر إستر جورج، الرئيسة السابقة للفيدرالي في كانساس سيتي، من أن استمرار الرسوم وعدم اليقين قد يُبقي التضخم مرتفعًا، ما سيُجبر الفيدرالي على الإبقاء على الفائدة مرتفعة رغم تزايد البطالة.
الخلاصة
الفيدرالي اليوم عالق بين مطرقة الركود وسندان التضخم، وسط تصعيد سياسي مستمر من البيت الأبيض ومطالب بخفض الفائدة في بيئة غير مستقرة تجاريًا.
كل قرار يُتخذ في هذا التوقيت لن يكون مجرد استجابة للبيانات، بل مرآة لحالة فوضى سياسية وتجارية تُهدّد قدرة صانعي السياسات على المناورة.
وإذا لم تتحوّل هذه الفوضى إلى خطة اقتصادية واضحة، فإن الفيدرالي سيُضطر لإدارة الأزمة بأقل أدوات ممكنة، مع مراقبة مستمرة لردود فعل ترمب والأسواق.
📩 اشترك الآن لتصلك يوميًا أبرز الأخبار الاقتصادية، وتطورات الأسواق العالمية — مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet