لماذا يهاجم ترمب الجامعات؟ وهل حقًا المدارس المهنية هي المستقبل؟
في الوقت الذي تنشغل فيه الأسواق العالمية بالحرب التجارية وتصاعد التوترات الجيوسياسية، اختار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فتح جبهة غير متوقعة مع الجامعات الأميركية الكبرى.
ورغم ظاهر المعركة كصدام ثقافي وسياسي، إلا أن جذورها الاقتصادية تمسّ ملفًا حساسًا جدًا يؤرق ملايين الأميركيين: ديون الطلاب الفيدرالية.
ديون الطلاب: كرة ثلج بحجم 1.77 تريليون دولار
مع نهاية عام 2024، وصل إجمالي ديون الطلاب في الولايات المتحدة إلى رقم قياسي جديد يبلغ 1.77 تريليون دولار.
المصدر: وزارة التعليم الأميركية – Yahoo Finance
البيانات تشير إلى أن:
غالبية المقترضين لديهم ديون بين 20 إلى 60 ألف دولار.
الفئة الأكبر من الديون (60 - 200 ألف دولار) تُشكّل العبء الأكبر.
ترمب والجامعات: انتقام شخصي أم قضية اقتصادية؟
صحيح أن ترمب يمتلك تاريخًا من الخصومة مع النخب الأكاديمية التي لم تُرحّب به يومًا، رغم تخرّجه من جامعة بنسلفانيا (كلية وارتون).
لكن مؤخرًا، أصبحت الجامعات هدفًا سياسيًا أساسيًا له، مستفيدًا من موجة رفض شعبية لما يصفه بـ"التيار اليقظ" (Woke) الذي تُتّهم الجامعات بترويجه.
هذه المعركة، ورغم ظاهرها الثقافي، مرتبطة بشكل وثيق بمسألة اقتصادية عميقة: سياسات تمويل التعليم الجامعي.
يؤكد خبراء أن القروض الطلابية الفيدرالية التي يمكن الحصول عليها بسهولة أدّت إلى تضخّم الرسوم الجامعية، وتراكم الديون بشكل هائل على الطلاب، في حين بقيت الطبقات العاملة بعيدة عن أي دعم حقيقي.
من هارفارد إلى المدارس المهنية: تحويل التمويل أم معاقبة الجامعات؟
في محاولة منه لتصحيح هذه الصورة، اقترح ترمب تحويل 3 مليارات دولار من الدعم الفيدرالي للجامعات الكبرى مثل هارفارد، نحو المدارس المهنية (Trade Schools).
ولكن السؤال المهم:
هل هذه الخطوة حقيقية لدعم المدارس المهنية، أم مجرد "عقاب سياسي" للجامعات؟
حلفاء ترمب في الكونغرس ذهبوا أبعد من ذلك:
اقترحوا فرض ضرائب جديدة على استثمارات جامعات النخبة (مثل ستانفورد وييل وبرينستون).
حاول ترمب إلغاء منح فيدرالية لهارفارد بقيمة 3.2 مليار دولار (معظمها في أبحاث طبية).
منع عقودًا حكومية بقيمة 100 مليون دولار، وحتى منع التحاق الطلاب الأجانب بهارفارد.
ردت الجامعات عبر دعاوى قضائية، وستفصل المحاكم لاحقًا بشرعية هذه الإجراءات.
الناخبون البيض غير الجامعيين: المستفيد السياسي الأكبر
من الناحية السياسية، يستهدف ترمب فئة محددة: الطبقة العاملة البيضاء التي لم تحصل على شهادات جامعية.
هذه الفئة مثّلت 59% من ناخبي ترمب في انتخابات 2024، وترى في الجامعات رمزًا للنخبوية والانفصال عن الواقع.
لكن المفارقة أن ترمب لم يقدّم حتى الآن خطة واقعية وواضحة لكيفية دعم المدارس المهنية، لتبقى مجرد أداة سياسية وليست هدفًا تنمويًا فعليًا.
بايدن… محاولة غير مكتملة للتخفيف
على الجهة المقابلة، حاول الرئيس السابق جو بايدن التخفيف من أعباء ديون الطلاب:
اقترح شطب ما يصل إلى 20 ألف دولار من ديون 26 مليون مقترض.
المحكمة العليا أبطلت هذا القرار.
محاولاته التالية (مبادرات صغيرة) أفادت فقط نحو 5 ملايين مقترض.
المفارقة أن سياسات بايدن لم تُقنع الناخبين غير الجامعيين، بل فقد بسببها الديمقراطيون نسبة كبيرة من أصوات الشباب في انتخابات 2024، رغم أنهم كانوا الفئة المستهدفة.
الاقتصاد بين معركة ترمب وسياسات بايدن: الحاجة إلى حل جذري
في النهاية، لا تُظهر معركة ترمب ضد الجامعات أو محاولات بايدن الفاشلة لتخفيف ديون الطلاب سوى حقيقة واحدة واضحة: الولايات المتحدة تحتاج بشكل عاجل إلى استراتيجية شاملة للتعليم والاقتصاد.
هذه الاستراتيجية يجب أن توازن بين:
التعليم الجامعي المفيد والمنتج اقتصاديًا.
دعم حقيقي للمدارس المهنية التي تُخرّج كوادر يحتاجها الاقتصاد.
تخفيف الديون بشكل مدروس وقابل للتطبيق.
ترمب يرفع شعار "العدالة للعمال"، لكنه يكتفي بالانتقام من الجامعات.
بايدن رفع شعار "الرحمة للطلاب"، لكنه عجز عن تطبيقه فعليًا.
الخلاصة
ما بين حرب ترمب المفتوحة على الجامعات الكبرى، ومحاولات بايدن المتعثرة لتخفيف ديون الطلاب، لا تزال الولايات المتحدة تعاني من فجوة هائلة بين التعليم الجامعي والواقع الاقتصادي.
الفائز في هذه الحرب حتى الآن هم الناخبون الغاضبون، والخاسر الأكبر هم الطلاب والأسر التي تغرق في الديون، وأيضًا الاقتصاد الأميركي الذي يُهدر طاقات بشرية واقتصادية بسبب سياسات غير مدروسة.
وحتى يتم التوصل لحل حقيقي، ستظل هذه القضية كرة ثلج تكبر يومًا بعد يوم.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet