كيف تستثمر في أوقات الانهيارات: استراتيجية عملية وأمثلة من السوق
كيف تستثمر في أوقات الانهيارات: استراتيجية عملية وأمثلة من السوق
الانهيارات الاقتصادية والأسواق المالية المضطربة قد تبدو مرعبة للمستثمرين، لكن بالنسبة لأولئك الذين يمتلكون استراتيجية مدروسة، قد تكون هذه الفترات فرصة لبناء ثروة على المدى الطويل. المقال التالي يهدف إلى تقديم استراتيجيات فعالة للاستثمار خلال الأزمات مع أمثلة عملية من السوق لتوضيح هذه النقاط.
1. حافظ على هدوئك وتجنب الذعر
أول رد فعل طبيعي لدى العديد من المستثمرين خلال الأزمات هو بيع الأصول خوفًا من المزيد من الخسائر. لكن الواقع يشير إلى أن هذه القرارات العاطفية غالبًا ما تكون مكلفة على المدى الطويل. على سبيل المثال، خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة تزيد عن 50% من قيمته، لكن أولئك الذين احتفظوا باستثماراتهم شهدوا تعافي المؤشر بل ووصل إلى مستويات قياسية جديدة خلال السنوات اللاحقة.
ماذا لو لم كانت السنة مختلفة عن 2008؟
الحقيقة هي أن ظروف ومسببات كل سوق هابط كانت مختلفة على مر التاريخ، فمثلاً:
2020: جائحة كورونا (ما بين نظرية المؤامرة واتهام الصين مرة واتهام بيل جيتس مرة)
2008: الأزمة المالية العالمية (جشع البنوك الأمريكية)
2000: فقاعة الدوت كوم (شركات زومبي بتقيمات خيالية فقط لأن اسمها ينتهي ب com.)
1987: الإثنين الأسود: التفسيرات المحتملة للانخفاض في أسعار الأسهم تشمل الخوف من أن الأسهم كانت مبالغًا في تقييمها بشكل كبير وكانت بحاجة لتصحيح، بالإضافة إلى العجز المستمر في الميزانية والتجارة الأمريكية وارتفاع أسعار الفائدة. تفسير آخر ليوم الإثنين الأسود يأتي من انخفاض قيمة الدولار، تلاه فقدان الثقة في محاولات الحكومة لوقف هذا الانخفاض…
2024: التفسيرات المحتملة للانخفاض في أسعار الأسهم تشمل الخوف من أن الأسهم كانت مبالغًا في تقييمها بشكل كبير وأنها بحاجة لتصحيح، بالإضافة إلى العجز المستمر في الميزانية والتجارة الأمريكية وارتفاع أسعار الفائدة، تفسير محتمل آخر هي المخاوف من أن أسهم الذكاء الاصطناعي قد تكون فقاعة مشابهة للدوت كوم، وأضف إلى كل ذلك تصاعد التوترات الجيوسياسية بشكل كبير..
2030: الأسباب المتوقعة ستكون غالبًا خلطة من كل ما سبق..
كل ما رجعت بالتاريخ أكثر ستجد انخفاضات متكررة بمعدل 10-15% في فترات قصيرة بمعدل كل سنتين، وكلما وسعت الفترة الزمنية ستجد انخفاضات أو (انهيارات) ضخمة بين 20-50% كل 5-10سنوات، وما بينها ستجد ارتفاعات ما بين 100%-500%!
على الرغم من كل ما مرت البلاد من أزمات أو ما مر به العالم من حروب وانهيارات، نجح الاقتصاد الأمريكي بأن يستمر في النمو على مر أكثر من 100 عام، ولا أعرف السبب الحقيقي الذي يجعل من السوق الأمريكي هو الأفضل، فهناك أسباب كثيرة تساعده على التفوق (القوة العسكرية، الدولار وهيمنته كعملة احطياطية، التنوع الجغرافي والثقافي، الموارد الطبيعية، التفوق التكنولوجي،..إلخ)، ولكن في رأيي أن كل هذه الأسباب تمنح الاقتصاد الأمريكي مرونة كبيرة، ولكن السبب الرئيسي في رأيي يكمن في تطور القوانين والتشريعات المنظمة للأسواق الأمريكية على مر الزمن، حيث أصبحت أكثر وضوحًا وشفافية وعدالةً (نوعًا ما)، مما يمكن أي صاحب فكرة أو مستثمر -بغض النظر عن الحزب الذي يقود البلاد- من التعامل مع النظام دون خوف من تغير مفاجئ في القوانين أو التشريعات الضامنة لحقوقه، وهذا ما يؤهل البلاد إلى الاستمرار في الريادة..
2. تحليل الفرص والبحث عن الأسهم ذات القيمة
الانهيارات غالبًا ما تؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم، مما يوفر فرصة لشراء أسهم جيدة بأسعار منخفضة. على سبيل المثال، خلال جائحة COVID-19 في مارس 2020، انخفضت أسعار العديد من الأسهم بشكل كبير. أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل Apple وMicrosoft تراجعت بشكل كبير، لكن أولئك الذين استثمروا في تلك الفترة حققوا عوائد ضخمة في الأشهر التالية حيث انتعشت الأسواق..
3. تنويع المحفظة للحد من المخاطر
يمكن أن يكون فهم الترابط بين فئات الأصول أداة قوية في تقليل المخاطر. فعندما تكون الأصول غير مترابطة أو مرتبطة بشكل عكسي، يمكن للمستثمرين تحقيق التنويع الذي يقلل من تقلبات المحفظة. على سبيل المثال، خلال فترة انخفاض أسعار الأسهم، قد ترتفع أسعار السندات، مما يخفف من تأثير الخسائر في المحفظة.
التنويع هو أحد أهم أسس الاستثمار الآمن، خاصة في أوقات الانهيارات. لا تضع كل استثماراتك في قطاع واحد، بل وزعها بين قطاعات مختلفة وأصول متعددة. على سبيل المثال، خلال أزمة الديون السيادية في أوروبا، تراجعت أسواق الأسهم بشكل كبير، لكن الذهب كملاذ آمن ارتفع بنسبة كبيرة، مما ساعد المستثمرين الذين كانوا يمتلكون جزءًا من محافظهم في هذا المعدن النفيس على الحد من الخسائر.
4. الاحتفاظ بالسيولة النقدية لاقتناص الفرص
الاحتفاظ بنسبة من محفظتك كسيولة نقدية يمكن أن يكون أداة قوية خلال الأزمات. عندما تنخفض أسعار الأصول، ستكون لديك القدرة على شراء أصول عالية الجودة بأسعار منخفضة. خلال الأزمة العقارية في 2008، المستثمر الشهير وارن بافيت كان دائمًا يحتفظ بسيولة كبيرة تمكنه من اقتناص فرص في أوقات الانخافاضات الكبيرة: مثل شراء أسهم في بنك أوف أمريكا ومجموعة غولدمان ساكس بأسعار مغرية.
أنا عادةً أفضل أن تظل نسبة السيولة في المحفظة بما يعادل 10% من اجمالي قيمتها مع هامش سماح +-5%، بمعنى آخر عندما تكون الأسواق في حالة ارتفاع مبالغ فيه قد تزيد هذه النسبة إلى 15%، وذلك يأتي كنتيجة لتحقيق بعض الأرباح والتحوط من التصحيح المحتمل، وعندما تبدأ الأسواق في الانخفاض قد تنخفض نسبة السيولة إلى 5% كحد أقصى مع اقتناص بعض الفرص المتاحة في حينه..وأحاول الالتزام بهذه المنهجية بشكل دائم.
5. التفكير على المدى الطويل وتجنب القرارات القصيرة الأجل
الاستثمار الناجح يتطلب رؤية طويلة الأمد. السوق يعاني من تقلبات على المدى القصير، لكن التاريخ يظهر أن السوق يتعافى دائمًا على المدى الطويل. على سبيل المثال، بعد أزمة الإنترنت في أوائل الألفية، تعافى مؤشر Nasdaq الذي يركز على شركات التكنولوجيا، بل وتجاوز أعلى مستوياته السابقة بأضعاف.
6. استثمار تدريجي عبر "التكلفة المتوسطة بالدولار"
استراتيجية التكلفة المتوسطة بالدولار تعتمد على استثمار مبالغ ثابتة بشكل دوري بغض النظر عن حالة السوق. هذه الاستراتيجية تقلل من تأثير التقلبات وتجعل من الممكن شراء المزيد من الأسهم عندما تكون الأسعار منخفضة، وأقل عندما تكون الأسعار مرتفعة. كمثال عملي، إذا استثمرت 100 دولار شهريًا في مؤشر S&P 500 خلال أزمة 2008، كنت ستستفيد من شراء الأسهم بأسعار منخفضة وتحقق عوائد جيدة بعد التعافي.
7. الاستثمار في القطاعات الدفاعية
القطاعات الدفاعية مثل الأغذية والرعاية الصحية عادة ما تكون أقل تأثرًا بالأزمات، لأنها تلبي احتياجات أساسية. على سبيل المثال، خلال الأزمة المالية في 2008، كانت أسهم شركات الأغذية والسلع الاستهلاكية الأساسية مثل Procter & Gamble و الصناعات الدوائية مثل Pfizer أقل تأثرًا مقارنة بشركات الطاقة أو البنوك.
8. الاعتماد على نصيحة الخبراء والتعلم من الماضي
أخيرًا، إذا كنت غير متأكد من كيفية التعامل مع الاستثمارات خلال الأزمات، من الحكمة استشارة مستشار مالي. التعلم من الماضي يمكن أن يوفر لك إرشادات قيمة. على سبيل المثال، المستثمرون الذين تعلموا من أزمة 2008 كانوا أكثر استعدادًا لجائحة COVID-19 واستفادوا من الفرص التي قدمتها الأسواق في تلك الفترة.
خاتمة
الاستثمار في أوقات الانهيارات قد يبدو مخاطرة كبيرة، لكن مع التخطيط الجيد والاستراتيجيات السليمة، يمكن أن يكون فرصة لبناء ثروة على المدى الطويل. من خلال الحفاظ على هدوئك، وتحليل الفرص، وتنويع محفظتك، والتفكير على المدى الطويل، يمكنك التغلب على الأزمات والاستفادة منها.