هل تتجه الرسوم الأمريكية نحو الاستقرار؟
تراجع المعدل الفعلي يكشف ملامح مرحلة جديدة… لكن الضبابية مستمرة
مع اقتراب نهاية النصف الأول من 2025، يعيش المستثمرون لحظة فارقة في سوق الرسوم الجمركية الأميركية. فبعد صعود قياسي للأسهم وتفاؤل ملحوظ حيال انفراجة في العلاقات التجارية مع الصين وأكبر الشركاء، تظهر إشارات أولية لانخفاض معدل الرسوم الفعلي للمرة الأولى منذ سنوات. لكن هذا التحسن يقابله قلق عميق: هل نعيش بداية مرحلة هدوء نسبي… أم أن كل ما يحدث مؤقت وتحت رحمة الضباب السياسي والاقتصادي؟
"معدل التعرفة الفعلي يتراجع مع صفقات البيت الأبيض"
انخفاض معدل الرسوم الجمركية الفعلي في أمريكا إلى 15.8% بعد أن كان قد بلغ 17.8% في 12 مايو، وهو أعلى مستوى تاريخي منذ بدء موجة التصعيد في 2018. هذا التراجع الأخير يرتبط بشكل مباشر بسلسلة الصفقات التجارية التي فعّلها البيت الأبيض مع الصين، وبريطانيا، وعدة شركاء آخرين.
ومع أن المعدل ما زال أعلى بكثير من متوسط ما قبل 2018، إلا أن الرسالة الأبرز من الرسم: أي تراجع حالي في الرسوم يبقى هشًا… فالمزاج السياسي قادر على تغيير المعادلة بين ليلة وضحاها.
ترمب يناور ويضغط: مهلة الرسوم لعبة مفتوحة
يحرص الرئيس دونالد ترمب على ترك جميع الخيارات مطروحة. ففي حواره مع فوكس نيوز قال بوضوح:
"لا أعتقد أنني سأحتاج لتمديد مهلة الرسوم... لكن يمكنني، ليس أمرًا كبيرًا."
وفي آخر مؤتمر صحفي له، أكد:
"المهلة ليست ثابتة… يمكننا فعل ما نريد، سواء بتقصيرها أو تمديدها."
هذه المرونة المتعمدة تكشف استراتيجية ضغط متقنة، تهدف لإبقاء كل الشركاء التجاريين في حالة ترقب دائم، وإرباك مفاوضيهم حتى اللحظة الأخيرة.
تفاهمات مع الصين… وانتكاسة مع كندا
المشهد التجاري اتسم هذا الأسبوع بتناقضات لافتة:
من جهة، أُعلن عن صفقة رسمية مع الصين تشمل تسريع شحن المعادن النادرة للولايات المتحدة مقابل تخفيف بعض القيود الجمركية. وبموجب الاتفاق، تفرض واشنطن رسومًا بنسبة 30% على الواردات الصينية، مقابل 10% فقط من الجانب الصيني.
من جهة أخرى، أعلن ترمب فجأة وقف المفاوضات مع كندا، مهددًا بفرض رسوم إضافية في غضون أسبوع واحد، بعد خلافات حول الضرائب الرقمية وبعض البنود التجارية الحساسة.
أما الملفات الأكثر تعقيدًا، فما تزال مع الاتحاد الأوروبي واليابان تحت ضغط مهلة 9 يوليو، وسط تهديدات أميركية بفرض رسوم تصل إلى 50% في حال لم تبرم الاتفاقيات في الوقت المناسب.
"زخم الصفقات" والتفاوض بحسن نية
وزير التجارة الأميركي كشف عن وجود "صفقات جاهزة مع 10 شركاء رئيسيين"، مع توقّع إنهاء أهم الملفات التجارية بحلول عيد العمال في سبتمبر.
البيت الأبيض بدأ ينتهج نهجًا انتقائيًا: الدول الملتزمة والتي تظهر "حسن النية" قد تحصل على تمديد للمهلة، بينما تواجه الدول المترددة تصعيدًا سريعًا في الرسوم بدون إنذار مسبق.
هذا الزخم يعكس محاولة ترمب الاستفادة القصوى من أدوات الضغط دون التضحية باستقرار الأسواق أو تضييع فرص التفاهم التجاري مع الحلفاء.
الأسواق بين تفاؤل التهدئة وخطر الانتكاسة
رغم التراجع النسبي في معدل الرسوم الجمركية، تظل الأسواق رهينة لأي تغير مفاجئ في السياسة أو التصريحات. فكما أظهرت أحداث الأسبوع الماضي، يبقى أي استقرار هشًا وسريع التأثر بأية إشارات من البيت الأبيض.
الأسواق تلتقط كل خبر إيجابي في مسار المفاوضات، لكنها في الوقت نفسه، تتحوط لأي انتكاسة أو قرار تصعيدي مفاجئ قد يعيد الجميع إلى المربع الأول من التوتر وعدم اليقين.
الخلاصة
يشهد ملف الرسوم الأميركية أول تراجع في المعدل الفعلي منذ سنوات، مما يمنح الأسواق متنفسًا قصير الأمد. لكن مع استمرار تقلب المزاج السياسي، وكثرة الملفات المفتوحة، يبقى أي استقرار مؤقتًا ومعرّضًا للانقلاب في أي لحظة. قدرة الإدارة الأميركية على تثبيت الاتفاقيات مع الشركاء الرئيسيين خلال الشهور المقبلة ستكون العامل الحاسم لرسم ملامح النصف الثاني من العام… أما الفشل أو التصعيد غير المتوقع، فقد يفتح الباب مجددًا أمام موجة اضطرابات وقلق في الأسواق.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet