في خطوة أثارت استغراب الأسواق وأوساط الإدارة الأمريكية، فجّر الرئيس دونالد ترمب مفاجأة جديدة على منصات التواصل الاجتماعي معلنًا أن الصين يمكنها الآن الاستمرار في شراء النفط من إيران، في ما يبدو أنه تراجع عن سياسة العقوبات المشددة التي اعتمدتها الولايات المتحدة لعقود للضغط على طهران وتجفيف مصادر تمويلها. هذا التحول الدراماتيكي يأتي بينما يحاول ترمب تعزيز اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، وسط تصعيد عسكري غير مسبوق في المنطقة.
ارتباك في الأسواق والدوائر الرسمية
جاء تصريح ترمب بعد ساعات فقط من إعلانه عن التوصل إلى وقف إطلاق نار بين الخصمين الإقليميين، رغم حدوث خروقات سريعة من الطرفين. وفيما كان يُنظر إلى الضربات الأمريكية على منشآت إيران النووية كسلاح ضغط أساسي، بدا السماح بشراء الصين للنفط الإيراني تنازلًا مفاجئًا أربك حتى مسؤولي الخزانة والخارجية الأمريكية، الذين أكدوا أنهم مستمرون في تطبيق العقوبات "دون تغيير"، بانتظار توضيحات إضافية من البيت الأبيض.
في المقابل، تسبب هذا الإعلان في موجة هبوط حادة لأسعار النفط، حيث تراجعت عقود خام غرب تكساس الوسيط بنسبة 6% لتستقر بالقرب من 64 دولارًا للبرميل، مع تلاشي مخاطر تعطيل الإمدادات من الشرق الأوسط.
التوازن الدبلوماسي بين الصين وإيران
تاريخيًا، عملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على خنق صادرات إيران النفطية باعتبارها المصدر الأساسي لتمويل النظام، وفرضت عقوبات صارمة على أي جهة تشتري النفط الإيراني، خاصة الصين – أكبر زبون لطهران.
لكن خطوة ترمب الجديدة فُهمت بأنها محاولة "لإعطاء جزرة" لبكين وطهران مقابل تعاونهما في مسارات التفاوض والتجارة، بحسب محللين، خاصة في ظل سعي الإدارة الأمريكية إلى تخفيف التوتر التجاري مع الصين وفتح الباب أمام اتفاق جمركي جديد.
تشير البيانات إلى أن الصين تستورد رسميًا نحو 14% من احتياجاتها من النفط من إيران، إلا أن الأرقام الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، إذ تُدرج شحنات إيرانية كأنها قادمة من ماليزيا أو الإمارات أو عُمان، لتفادي العقوبات الأمريكية.
وبينما لم تسجّل بكين رسميًا أي واردات مباشرة من إيران منذ منتصف 2022، تؤكد تقارير الشحن وتحليلات السوق أن تدفقات النفط الإيراني بقيت مرنة بفضل "أسطول الظل" وعمليات الدفع باليوان بعيدًا عن النظام المالي الغربي.
ارتباك السياسة الأمريكية: الرسالة غير واضحة
من ناحية أخرى، صرّح مسؤول كبير في البيت الأبيض لاحقًا أن العقوبات ستظل قائمة، مشددًا على أن منشور ترمب كان يهدف فقط إلى إبراز أن "الإجراءات الأمريكية حافظت على بقاء مضيق هرمز مفتوحًا أمام الصين"، وليس منح إعفاء فعلي. وأكّدت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية أن "الأمور تتغير بسرعة، وسنعرف التفاصيل قريبًا".
يبقى موقف الإدارة الأمريكية غامضًا: فبينما تسعى الخزانة إلى تنفيذ العقوبات بالكامل، لم يستبعد بعض المحللين أن يكون تصريح ترمب محاولة لتحفيز الصين على التعاون في التهدئة مع إيران أو لإعطاء دفعة لمحادثات الرسوم الجمركية.
الصين والالتفاف على العقوبات
الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، تعتمد بشكل كبير على نفط إيران المخفّض السعر لتغذية مصافيها المستقلة ودعم اقتصادها المتعثر. رغم أن واشنطن فرضت عقوبات ثانوية على مئات الناقلات المرتبطة بالنفط الإيراني، ما زالت التدفقات مستمرة بطرق ملتوية يصعب تتبعها أو التحكم فيها.
وبينما قد يُنظر إلى تصريح ترمب كفرصة لتقنين هذه التجارة مستقبلاً، إلا أن تداعياته لا تزال غير واضحة، خاصة مع استمرار العقوبات الثانوية على شركات النفط والشحن الصينية.
عقوبات النفط كأداة ضغط على إيران
جاءت العقوبات الأمريكية في إطار حملة "الضغط الأقصى" لإجبار إيران على التخلي عن تخصيب اليورانيوم وعدم امتلاك سلاح نووي. وبالرغم من الضربات الأخيرة على منشآت إيران النووية، لم تتضح بعد النتائج الحقيقية للهجمات، كما لم تؤكد الوكالة الدولية للطاقة الذرية مصير مخزون طهران من اليورانيوم عالي التخصيب، والذي يكفي نظريًا لصناعة عشر رؤوس نووية.
الخلاصة
قرار ترمب المفاجئ بالسماح للصين بشراء النفط الإيراني أربك الأسواق وأثار تساؤلات حول مستقبل العقوبات الأمريكية وفاعليتها في الضغط على طهران، خاصة في ظل تشابك ملفات التجارة والطاقة والأمن الإقليمي.
هل يشكل هذا القرار بداية لتسوية شاملة في المنطقة أم مجرد مناورة دبلوماسية مؤقتة؟ الأسواق تراقب عن كثب… وإشارات واشنطن لا تزال متضاربة.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet