التقلب أصبح قاعدة... فهل يعتمد ترمب على الغموض كأداة تفاوضية؟
في عام يُفترض أن يكون عام "الاستقرار بعد التعافي"، فاجأت إدارة ترمب الأسواق العالمية بنهج متعمّد من اللايقين الاقتصادي، جعل من الفوضى السياسية والتجارية أداة تفاوض بحد ذاتها. ومع تصاعد الرسوم الجمركية، وتراجع ثقة المستهلك الأميركي، وتخبّط المؤسسات في رسم توقعات مستقبلية دقيقة، تبدو الولايات المتحدة وكأنها اختارت اللعب على حافة الركود كوسيلة ضغط... ولكن بأي ثمن؟
الغموض التجاري عند أعلى مستوياته تاريخيًا
وفقًا لـ Bloomberg Economics — قفز مؤشر الغموض المرتبط بالسياسات التجارية إلى مستويات غير مسبوقة عقب فوز ترمب في انتخابات 2024، متجاوزًا حتى ذروة الحرب التجارية الأولى بين 2018 و2020. ويُظهر فترة 2025 باللون الأحمر كمرحلة حرجة، حيث أصبح الغموض نفسه هو "السياسة".
من شيكاغو إلى واشنطن: الكابوس واحد
جيم توشلر، تاجر تجزئة صغير من شيكاغو، يلخّص المأزق ببساطة.
فقد طلب شحنة جوارب من الصين بقيمة 80 ألف دولار، لكنه لا يعلم إن كان سيدفع فعليًا 200 ألف بسبب رسوم لم تتضح بعد.
"كيف يمكن للمرء أن يخطّط لعمله بهذه الطريقة؟" – توشلر.
المعضلة ذاتها تطارد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
ففي ظلّ رسوم متقلّبة لا يمكن التنبؤ بها، يصبح من المستحيل وضع سياسة نقدية دقيقة.
رسوم مرتفعة تعني تضخمًا محتملًا.
ردود تجارية من دول أخرى تعني ركودًا واستثمارًا أقل.
هذه المعادلة المربكة جعلت أدوات الفيدرالي محدودة أكثر من أي وقت مضى.
"الغموض الاستراتيجي": أداة تفاوض أم فوضى محسوبة؟
وزير الخزانة سكوت بيسنت يصف نهج ترمب بأنه "غموض استراتيجي" يهدف لإبقاء الخصوم التجاريين في حالة تخبّط.
لكن هذه الفوضى تضرب الجميع:
المستثمرون لا يعلمون تكلفة الإنتاج.
البنوك لا تستطيع التنبؤ بالتضخم.
المستهلكون يقلصون الإنفاق من باب الحذر.
يقول ألان وولف، نائب مدير منظمة التجارة العالمية سابقًا:
"الهدف من التجارة العالمية هو اليقين، لا الغموض."
الفيدرالي في موقف صعب... والأسواق تتحرك وحدها
رغم الضغوط المتصاعدة من البيت الأبيض، من المتوقع أن يُبقي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير هذا الأسبوع.
لكن الأسواق تراهن على تحرّك في يونيو أو سبتمبر، تزامنًا مع تراجع مؤقت للتضخم الجمركي.
تحليل مورغان ستانلي:
"التحليل أحادي السيناريو لم يعد كافيًا. لا بد من بناء نماذج متعددة تحاكي المسارات المتضاربة."
أمثلة:
بنك كندا أصدر سيناريوهين للاقتصاد في تقريره الأخير.
United Airlines قدمت توقعين متباينين للأرباح حسب مجريات الحرب التجارية.
هل هناك خطة نهائية؟ الشركات تسأل... ولا جواب
حتى الآن، لم توضح الإدارة ما إذا كانت الرسوم مؤقتة أم دائمة.
هل هي أدوات تفاوض؟
أم جزء من سياسة تصنيع طويلة الأمد؟
ناثان شيتس، كبير الاقتصاديين في Citibank، يعلّق:
"ما زلنا لا نعلم ما إذا كانت هذه الرسوم جزءًا من خطة... أم مجرد ردود فعل عشوائية."
الرسوم باقية... حتى مع "صفقات وشيكة"
رغم تصريح الممثل التجاري جيميسون غرير بأن صفقات جديدة ستُعلن خلال "أسابيع لا أشهر"،
يبقى واضحًا أن ترمب يُخطط للإبقاء على كثير من الرسوم، ومنها:
ضريبة أساسية بنسبة 10% على جميع الواردات.
رسوم على السيارات والمعادن.
ضرائب إضافية على الرقائق والأدوية والأخشاب.
الشركات تتحرّك رغم الضباب
بالنسبة لتاجر مثل توشلر، فإن الانتظار لم يعد خيارًا.
فضّل تنفيذ الصفقة رغم المخاطر، خوفًا من نفاد البضاعة قبل موسم الأعياد.
"الانتظار قد يكون أخطر من اتخاذ قرار في الضباب."
الخلاصة
نهج ترمب التجاري يُربك الأسواق أكثر مما يُرهب الخصوم.
في بيئة اقتصادية تحتاج إلى إشارات واضحة، تحوّلت الولايات المتحدة إلى مصدر غموض عالمي، تُعاني منه حتى مؤسساتها المالية.
الغموض الاستراتيجي قد يُثمر على طاولة التفاوض،
لكنه يُكبّد الفيدرالي والمستثمرين تكلفة باهظة كل يوم تأخير في الوضوح.
إذا لم يتحوّل هذا النهج إلى سياسة واضحة، فإن النصف الثاني من 2025 قد يكون الأصعب على الأسواق الأميركية منذ سنوات.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet