تأثير انخفاض مبيعات تسلا في أوروبا على هوامش الربحية الإجمالية للشركة
ما هو التقيم العادل لسهم تسلا؟
الإجابة بكل بساطة في التقرير التالي (للمشتركين بالحزمة المدفوعة):
شهدت شركة تسلا تراجعًا ملموسًا في مبيعاتها داخل السوق الأوروبية مؤخرًا، مما أثار تساؤلات حول تأثير ذلك على هوامش ربحية الشركة الإجمالية. يعود هذا التراجع إلى عدة عوامل بينها اشتداد المنافسة المحلية وتقلص الحوافز الحكومية للمركبات الكهربائية، بالإضافة إلى عوامل تتعلق بصورة العلامة التجارية. سنحلل فيما يلي كيفية تأثير انخفاض مبيعات تسلا في أوروبا على إيراداتها وهوامش أرباحها، مع تناول الجوانب المتعلقة بالتكاليف الثابتة والمتغيرة، واستراتيجيات التسعير، وتكاليف التصنيع والنقل (بما في ذلك الرسوم الجمركية المحتملة)، إلى جانب مقارنة أداء تسلا في أوروبا بأدائها في الولايات المتحدة والصين وانعكاس ذلك على ربحية الشركة الكلية.
تراجع حجم المبيعات في أوروبا وتأثيره على الإيرادات
تراجع حجم مبيعات تسلا في أوروبا بشكل ملحوظ، مما أثر سلبًا على إيرادات الشركة من المنطقة. على سبيل المثال، انخفضت تسجيلات سيارات تسلا الجديدة في دول الاتحاد الأوروبي بنحو 13.7% في أول 11 شهرًا من عام 2024 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق. وفي شهر يناير 2025 وحده، هوت مبيعات تسلا في أوروبا والمملكة المتحدة بحوالي 45% على أساس سنوي (إلى 9,945 سيارة فقط مقابل 18,161 سيارة في يناير العام السابق). هذا الانخفاض الكبير قلّص حصة تسلا السوقية في أوروبا من 1.8% إلى نحو 1%. وباعتبار أن أوروبا كانت تمثّل جزءًا مهمًا من مبيعات تسلا العالمية، فإن هبوط المبيعات فيها يعني فقدان جزء من الإيرادات التي كانت الشركة تحققها، مما يضع ضغطًا على نمو الإيرادات الإجمالية.
فعلى الرغم من ارتفاع إجمالي إيرادات تسلا عالميًا إلى حوالي 97.7 مليار دولار في 2024 مدفوعًا بالمبيعات القياسية في الولايات المتحدة والصين، إلا أن تباطؤ أوروبا شكّل عامل تقييد لهذا النمو. انخفاض المبيعات الأوروبية بعدة عشرات الآلاف من السيارات يعني خسارة إيرادات بمليارات الدولارات (بالنظر إلى متوسط أسعار البيع)، وهو ما كان يمكن أن يُعوض جزء منه لو حافظت تسلا على زخم المبيعات السابق في أوروبا.
التكاليف الثابتة والمتغيرة وتأثير انخفاض المبيعات
يؤدي انخفاض حجم المبيعات في أوروبا إلى آثار واضحة على هيكل التكاليف وهوامش الربح. تمتلك تسلا تكاليف ثابتة عالية (مثل استثمارات المصانع كمصنع جيجا برلين في ألمانيا، وتكاليف البحث والتطوير، وشبكة المبيعات والخدمة) لا تتغير بتغير عدد السيارات المباعة. عند انخفاض عدد الوحدات المباعة، يتم توزيع هذه التكاليف الثابتة على عدد أقل من السيارات، مما يرفع متوسط التكلفة لكل سيارة ويضغط على هامش الربح للوحدة الواحدة.
على سبيل المثال، استثمرت تسلا بقوة في مصنعها ببرلين لزيادة الطاقة الإنتاجية في أوروبا، لكن تراجع الطلب يعني أن المصنع قد لا يعمل بكامل طاقته، مما يزيد كلفة السيارة الواحدة المنتجة فيه بسبب عدم الاستفادة القصوى من وفورات الحجم. كذلك فإن التكاليف المتغيرة للسيارة (مثل مكونات البطارية والخامات والشحن) قد لا تنخفض بنفس نسبة انخفاض المبيعات، مما يبقي جزءًا كبيرًا من التكلفة قائمًا رغم تراجع العوائد. هذا الوضع انعكس في تراجع هوامش الربح الإجمالية لتسلا خلال العام الماضي؛ فقد سجلت تسلا في 2024 أدنى هامش ربح إجمالي منذ خمس سنوات بلغ نحو 17.9% فقط (باستثناء الائتمانات التنظيمية)، مقارنةً بهوامش كانت تتجاوز 25% في عام 2022. هذا الانخفاض الكبير في الهوامش يعكس جزئيًا تأثير التكاليف الثابتة التي ظلت مرتفعة في ظل نمو مبيعات أقل من المتوقع، سواء في أوروبا أو عالميًا. وبعبارة أخرى، انخفاض حجم المبيعات بدون خفض موازٍ في التكاليف الثابتة يؤدي مباشرة إلى تقليص هامش الربح.
استراتيجيات تسعير تسلا لمواجهة تراجع الطلب
لمواجهة تباطؤ الطلب في أوروبا وأسواق أخرى، انتهجت تسلا استراتيجيات تسعير مرنة تضمنت خفض أسعار البيع بشكل ملحوظ وتقديم حوافز وعروض خاصة لجذب المشترين. فقد قامت الشركة خلال عام 2023 وأوائل 2024 بسلسلة من التخفيضات السعرية وصلت إلى 15%-20% على بعض الطرازات والمحافظ في أسواق أساسية مثل الولايات المتحدة والصين وأجزاء من أوروبا. على سبيل المثال، شهدت سيارات الطراز 3 والطراز Y – اللتان تعدان الأكثر مبيعًا لتسلا – تخفيضات سعرية كبيرة، بهدف جعلها في متناول شريحة أوسع من العملاء . وإلى جانب التخفيضات المباشرة، قدمت تسلا عروضًا ترويجية في أوروبا مثل تمويل بدون فوائد لفترة محددة وشحن كهربائي مجاني لفترات محدودة في نهاية 2024 لتحفيز المبيعات. هذه الاستراتيجيات السعرية نجحت في تعزيز حجم المبيعات عالميًا بنسبة 16% في الربع الرابع 2024 على أساس سنوي، إلى 495,570 مركبة، مما ساعد الشركة في الحفاظ على نمو معين في عدد الوحدات المباعة رغم ظروف السوق الصعبة. ومع ذلك، كان ثمن ذلك هو انخفاض حاد في هوامش الربح؛ حيث تراجع صافي هامش الربح لتسلا في ذلك الربع إلى 9% فقط مقارنةً بـ 31.5% قبل عام. نتيجة تقليص الأسعار وتقديم الحوافز. وبشكل عام، نجحت تخفيضات الأسعار في تحريك الطلب وكبح تراجع المبيعات إلى حد ما، لكنها قلّصت الربحية لكل سيارة. ورغم ذلك لا تزال هوامش تسلا الإجمالية أفضل من العديد من المنافسين التقليديين (فمثلاً تفوقت على فولكسفاجن الذي يقارب صافي هامش الربح لديها 3.9%)، مما يدل على قدرة تسلا على احتمال بعض التخفيض في الأسعار بفضل كفاءتها الإنتاجية العالية. لكن استمرار هذه الإستراتيجية لفترة طويلة قد يضع مزيدًا من الضغط على أرباح الشركة إذا لم يُقابله انخفاض في تكاليف الإنتاج.
تأثير تكاليف التصنيع والنقل والرسوم الجمركية الجديدة المحتملة
تلعب تكاليف التصنيع والشحن دورًا مهمًا في تحديد هوامش الربح، وقد تأثرت هذه التكاليف بعدة تطورات أخيرًا. فمع توسع تسلا في الإنتاج الأوروبي عبر مصنع جيجا برلين، تحملت الشركة تكاليف تشغيل واستثمارات ثابتة كبيرة في أوروبا. هذه التكاليف يمكن تعويضها عندما يكون المصنع عند طاقة إنتاجية عالية، لكن مع تباطؤ المبيعات الأوروبية فإن بعض القدرة الإنتاجية غير المستغلة تؤدي إلى ارتفاع تكلفة السيارة المنتجة كما أشرنا سابقًا. أيضًا تواجه تسلا في أوروبا ارتفاعًا في تكاليف العمالة والطاقة مقارنة بمصانعها في الصين، مما يجعل تصنيع السيارة في برلين أعلى تكلفة نسبيًا ما لم يتم تحقيق وفورات حجم كبيرة.
على صعيد النقل، كان جزء من سيارات تسلا المباعة في أوروبا يُستورد من مصانعها في الولايات المتحدة أو الصين (خصوصًا طراز 3 من مصنع شنغهاي). تكلفة شحن هذه السيارات عبر البحار تضيف أعباء مالية (تكلفة متغيرة) لكل وحدة مباعة. ومع انخفاض أحجام الشحن نتيجة تباطؤ الطلب، قد تقل كفاءة سلاسل التوريد ما لم تُخفض وتيرة الإنتاج بشكل متناسب.
فوق كل ذلك، هناك رسوم جمركية جديدة محتملة فرضها الاتحاد الأوروبي على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين يمكن أن تؤثر على تكاليف تسلا. بالفعل، في أواخر 2024 قرر الاتحاد الأوروبي فرض رسوم لمكافحة الإغراق على السيارات الكهربائية الصينية الصنع، وقد شمل ذلك سيارات تسلا المصنّعة في الصين بنسبة 7.8% إضافية. انضمت تسلا إلى طعون قانونية ضد هذه الرسوم، لكنها في الوقت الحالي تمثل زيادة مباشرة في تكلفة استيراد طرازاتها المصنوعة في شنغهاي وبيعها في أوروبا. إذا اضطرت تسلا لتحمل هذه الرسوم دون زيادة مقابلة في الأسعار، فسيؤدي ذلك إلى تقليص هامش الربح على تلك الوحدات المباعة في أوروبا. أما إذا رفعت الأسعار لتعويض الرسوم الجمركية، فقد يتضرر الطلب أكثر في سوق تنافسية حساسة للسعر. هكذا فإن الرسوم الجديدة تشكل عامل ضغط إضافي على هوامش الربح في أوروبا، إلى جانب تكاليف التصنيع المرتفعة نسبيًا محليًا وتكاليف النقل الدولية. ومن المرجح أن تدفع هذه التحديات تسلا إلى زيادة الاعتماد على الإنتاج المحلي الأوروبي لتخفيف أثر الرسوم والشحن، وكذلك البحث عن خفض تكاليف التصنيع عبر تحسين الكفاءة في مصنع برلين لتحقيق هوامش أفضل حتى مع انخفاض المبيعات.
المقارنة مع أداء تسلا في الولايات المتحدة والصين وتأثيره على الربحية الإجمالية
عند تقييم أثر انخفاض مبيعات أوروبا على ربحية تسلا، من المهم مقارنته بأداء الشركة في الأسواق الكبرى الأخرى كأمريكا والصين. في الولايات المتحدة (أكبر أسواق تسلا)، بقي الطلب قويًا نسبيًا مدعومًا بعوامل مثل الإعفاءات الضريبية فيدراليًا (ضمن قانون خفض التضخم الذي وفر دعمًا يصل إلى 7,500 دولار لمعظم سيارات تسلا) وبنية تحتية واسعة للشحن. حافظت تسلا على مركزها الريادي في سوق السيارات الكهربائية الأمريكي في 2024 وإن بدأ منافسون تقليديون وجدد بتقليص الفجوة. ورغم أن ارتفاع أسعار الفائدة وتوجه بعض المستهلكين نحو المركبات الهجينة أثر على نمو الطلب في سوق السيارات الأمريكي، استطاعت تسلا تحقيق نمو طفيف في مبيعاتها هناك. إيرادات تسلا في الولايات المتحدة ارتفعت من حوالي 45.2 مليار دولار في 2023 إلى 47.7 مليار دولار في 2024، مما يشير إلى زخم مبيعات إيجابي (مدفوع جزئيًا بتخفيضات الأسعار). هذا الأداء القوي في أمريكا ساعد في تعويض جزء من التراجع الأوروبي من حيث الإيرادات.
في المقابل، كانت السوق الصينية قصة مختلفة: تعد الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم وواجهت فيه تسلا منافسة شرسة من شركات محلية مثل BYD و NIO وغيرها. وردًا على ذلك، اعتمدت تسلا سياسة تخفيضات سعرية قوية أيضًا في الصين للمحافظة على حصتها. لم تثمر هذه الخطوات كثيرًا في زيادة إيراداتها في الصين.
على الرغم من أعداد السيارات المباعة في الصين ارتفعت قليلاً في 2024 بفضل زيادة حجم. لكن هذا النمو في حجم المبيعات جاء مصحوبًا بتآكل في هوامش الربح هناك أيضًا بسبب دخول تسلا في "حرب أسعار" مع المنافسين. أي أن الزيادة في الكمية عوّضتها جزئيًا انخفاضات في هوامش الربح لكل سيارة مباعة في الصين.
عند جمع الصورة عالميًا، نجد أن انخفاض المبيعات في أوروبا قد تم تعويضه جزئيًا بأداء أفضل في أمريكا من حيث الحجم. إلا أن الأثر على الهوامش كان عالميًا، لأن تسلا اعتمدت تخفيض الأسعار على نطاق واسع عبر الأسواق لمواجهة تباطؤ الطلب والمنافسة. وكانت النتيجة أن إجمالي التسليمات العالمية لتسلا في 2024 انخفض للمرة الأولى سنويًا بنحو 1.1%
إلى حوالي 1.79 مليون سيارة (مقابل 1.81 مليون في 2023)، مما يعني أن نمو أمريكا بالكاد عوّض تراجع أوروبا. في نفس الوقت، انخفضت ربحية تسلا: تراجعت هوامش الربح الإجمالية بشكل واضح عن مستوياتها التاريخية. فقد وصل هامش الربح الإجمالي لقطاع السيارات إلى قرابة 15% فقط بحلول نهاية 2024 وفق تقديرات المحللين.
خلاصة واستشراف المستقبل
باختصار، كان لانخفاض مبيعات تسلا في أوروبا أثر سلبي مزدوج على الشركة: تراجع في الإيرادات الأوروبية واضطرار لتخفيض الأسعار وتحمّل تكاليف ثابتة مرتفعة، مما ضغط على هوامش الربح الإجمالية. ورغم أن نمو المبيعات في الصين واستمرار زخمها في الولايات المتحدة عوّضا جزءًا من هذا التراجع، إلا أن الربحية الإجمالية لتسلا تأثرت بوضوح. هوامش الربح تقلصت إلى مستويات هي الأدنى منذ عدة سنوات، ويُعزى ذلك إلى عوامل أوروبا وغيرها كحزمة واحدة من الظروف غير المواتية (تباطؤ الطلب، المنافسة، ارتفاع التكاليف).
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تسلا لا تزال تحقق هوامش أفضل من معظم شركات السيارات التقليدية حتى بعد هذه التحديات ساعدها نموذج التصنيع الفعال والتكامل الرأسي في ضبط التكاليف. للمضي قدمًا، ربما تتخذ تسلا خطوات لمعالجة تراجع أوروبا عبر طرح طرازات أرخص (كما ألمح إيلون ماسك إلى سيارات كهربائية منخفضة التكلفة قادمة في 2025) لاستهداف شرائح أوسع، وكذلك زيادة الإنتاج المحلي في أوروبا لتفادي الرسوم وتخفيض تكاليف النقل. كما أن تحسن الظروف الاقتصادية أو عودة بعض الحوافز الحكومية في أوروبا قد يساعد في انتعاش الطلب مستقبلًا.
في المحصلة، انخفاض مبيعات أوروبا كان صعبًا لهوامش ربحية تسلا، لكنه قابل للانعكاس إذا ما استطاعت الشركة التكيف عبر استراتيجيات تسعير وإنتاج مرنة، والاستفادة من زخم أسواق أخرى لتوازن الأداء المالي العالمي.