في ضربة قوية وغير متوقعة لسياسات الرئيس الأميركي دونالد ترمب التجارية، أصدرت محكمة التجارة الدولية في مانهاتن قرارًا تاريخيًا يقضي بتجميد مؤقت لعدد كبير من الرسوم الجمركية التي فرضها ترمب مؤخرًا، مستندة إلى قانون الطوارئ الاقتصادية الدولية لعام 1977 (IEEPA).
القرار، الذي قد يُعيد رسم حدود السلطة التنفيذية في الشأن التجاري، يُعدّ أول تحدٍّ قضائي كبير على مستوى وطني ضد ما يُعرف بـ"رسوم يوم التحرير" التي فرضها ترمب على معظم دول العالم بنسبة 10%.
القضاء يُحدّد السقف: لا صلاحيات غير محدودة للرئيس في فرض الرسوم
في حكم صادر عن هيئة مكوّنة من ثلاثة قضاة، اعتبرت المحكمة أن الرئيس لا يتمتع بسلطة "غير محدودة" لفرض رسوم جمركية على مستوى عالمي، خصوصًا عندما لا ترتبط هذه الإجراءات بحالة "تهديد غير عادي واستثنائي" كما يقتضي قانون IEEPA.
"العديد من هذه الرسوم تتجاوز الصلاحيات القانونية الممنوحة للرئيس، ولا يمكن استخدامها كأداة ردع عام ضد دول العالم" — بحسب نص القرار.
هذا الحكم لا يشمل الرسوم الجمركية المفروضة بموجب قوانين أخرى، مثل المادة 232 من قانون التوسّع التجاري لعام 1962، والتي استُخدمت لفرض رسوم على الصلب والألمنيوم والسيارات.
معدل التعرفة الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة يتراجع إلى 17.8% بعد هدنة تجارية مع الصين، مقارنة بـ24% سابقًا - بيانات مايو 2025
البيت الأبيض يُهاجم القرار... لكن المحكمة تتمسك بالدستور
في ردّ غاضب، وصف المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديزاي، القرار بأنه "تدخّل غير مقبول من قضاة غير منتخبين في صلاحيات الرئيس خلال حالة طوارئ وطنية"، مضيفًا أن الإدارة الأميركية تعتزم استئناف الحكم فورًا.
في المقابل، اعتبر منتقدو ترمب القرار "انتصارًا للشرعية الدستورية"، مشيرين إلى أن ما فعله الرئيس "هو محاولة التفاف على صلاحيات الكونغرس لفرض ضرائب جديدة على الواردات".
من الرابح ومن الخاسر؟ تداعيات اقتصادية وقانونية متشعّبة
يشمل قرار المحكمة عددًا كبيرًا من الرسوم المفروضة في إطار خطة "يوم التحرير"، إضافةً إلى التهديدات الجديدة التي أطلقها ترمب بفرض رسوم بنسبة 50% على الدول التي لا تتوصل إلى اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة خلال 90 يومًا.
استند ترمب في فرض هذه الرسوم إلى قانون IEEPA، مدّعيًا أن بعض الدول مثل الصين والمكسيك وكندا تُهدد الأمن القومي الأميركي عبر الهجرة أو تساهلها في تهريب المخدرات.
التصعيد نحو محكمة الاستئناف... وربما المحكمة العليا
وفقًا لمصادر قانونية، من المرجّح أن ينتقل النزاع إلى محكمة الاستئناف الفيدرالية المختصة في قضايا التجارة الدولية، مع إمكانية وصوله لاحقًا إلى المحكمة العليا، ما قد يُحوّل الملف إلى واحدة من أهم معارك الصلاحيات الدستورية في العصر الحديث.
وقد شارك في الطعن بالرسوم عدد من المستوردين الأميركيين، بينهم شركات مشروبات كحولية في نيويورك، بالإضافة إلى 11 مدعيًا عامًا من ولايات مختلفة.
حدود IEEPA: عندما يُلزم القانون الرئيس بقيود واضحة
أكدت المحكمة أن قانون IEEPA لا يمنح الرئيس تفويضًا مفتوحًا لفرض رسوم جمركية، وأن صلاحياته يجب أن تكون محصورة في مواجهة تهديدات طارئة وواضحة، وليس كوسيلة ضغط اقتصادي موسّعة.
وشدّد السيناتور الديمقراطي رون وايدن على أن "ترمب حاول التلاعب بالدستور لإصدار ضرائب جديدة"، معتبرًا القرار القضائي خطوة ضرورية لاستعادة سلطة الكونغرس على السياسة التجارية.
التأثير الفوري: رسوم الصلب والسيارات خارج القرار مؤقتًا
رغم أهمية القرار، فإنه لا يُطبّق على كل الرسوم، إذ تبقى الرسوم المفروضة على الصلب والألمنيوم وبعض واردات السيارات قائمة، كونها صادرة بموجب تشريعات أخرى مثل المادة 232، أو تعود إلى عهد بايدن.
الخلاصة
حكم المحكمة الدولية لا يُمثّل فقط انتصارًا قانونيًا على سياسة ترامب التجارية، بل يُعيد طرح السؤال الجوهري: من يملك حق فرض الضرائب في الولايات المتحدة؟
وبينما تتجه المعركة إلى ساحات الاستئناف، يبقى مصير جزء كبير من أجندة ترمب التجارية معلّقًا، ومعه مئات الشركات الأميركية الصغيرة التي تكبّدت تكاليف باهظة نتيجة هذه الرسوم.
هذا القرار يُعدّ أيضًا سابقة خطيرة لأي رئيس قادم يُفكّر في توسيع سلطاته التجارية دون الرجوع للكونغرس. وما بين نصوص IEEPA وروح الدستور، تُفتح الآن جبهة جديدة من المواجهة بين القضاء والسلطة التنفيذية.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet