كلما ارتفعت الأسعار في الولايات المتحدة، يتجه الرأي العام والإعلام إلى تحميل الرئيس الأميركي المسؤولية، متسائلين: هل البيت الأبيض هو من يتحكم بمصير التضخم فعلاً؟ وهل للرئيس القدرة المباشرة على إطفاء نار الغلاء أو إشعالها؟ في الواقع، الصورة أعقد بكثير من التصورات الشائعة، وتخضع لعوامل اقتصادية ومؤسساتية تتجاوز أي قرار فردي من رأس السلطة التنفيذية.
ما هو التضخم وكيف يتم قياسه؟
التضخم هو الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، ما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للأفراد.
المؤشر الأكثر استخداماً: مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، الذي يقيس تكلفة سلة أساسية من المنتجات مثل الغذاء، الطاقة، الإيجارات، الملابس والرعاية الصحية.
أرقام حديثة: في مايو 2025، بقي معدل التضخم الشهري مستقرًا، لكنه ارتفع سنويًا بنسبة 3.3%—وهو تباطؤ طفيف عن معدل أبريل البالغ 3.4%.
ما الذي يُسبب التضخم؟
التضخم ليس نتيجة عامل واحد، بل هو محصلة تفاعل معقد لعدة عناصر، أبرزها:
اختلالات العرض والطلب: إذا زاد الطلب على السلع والخدمات عن قدرة الشركات على الإنتاج، ترتفع الأسعار.
السياسة النقدية: ضخ كميات كبيرة من الأموال في الاقتصاد يدفع الناس للإنفاق، ما يرفع الأسعار إذا لم يقابل ذلك نمو في الإنتاج.
اضطرابات سلاسل الإمداد: أزمات عالمية (حروب، أوبئة، كوارث) تقلص حجم المعروض من السلع، فترتفع الأسعار.
يقول مارك بنغل، أستاذ الاقتصاد بجامعة نيفادا:
"كلما زاد حجم النقود المتداولة، زاد الإنفاق، ما يؤدي لنقص المنتجات وارتفاع الأسعار."
ما مدى تأثير الرئيس الأميركي على التضخم؟
على عكس الانطباع السائد، قدرة الرئيس الأميركي على ضبط التضخم محدودة، وغالبًا غير مباشرة.
السياسة المالية: يستطيع الرئيس التأثير عبر خفض أو رفع الضرائب وزيادة أو تقليص الإنفاق الحكومي. خفض الضرائب وزيادة الإنفاق يرفعان الطلب، ما قد يزيد التضخم في أوقات معينة.
السياسات الجمركية: فرض الرسوم على السلع المستوردة يؤدي لارتفاع الأسعار محليًا.
لكن… اللاعب الرئيسي هو الاحتياطي الفيدرالي (The Federal Reserve):
التحكم بأسعار الفائدة: الفيدرالي يقرر رفع أو خفض الفائدة لموازنة التضخم والنمو.
إدارة السيولة: من خلال بيع أو شراء السندات الحكومية.
استقلالية القرار: رغم أن الرئيس يعيّن سبعة أعضاء في مجلس محافظي الفيدرالي، إلا أن الفيدرالي يعمل باستقلالية كاملة عن البيت الأبيض، وتتخذ قراراته بناءً على معطيات اقتصادية طويلة الأجل، لا لمصالح سياسية آنية.
الخلاصة
الصورة الحقيقية أن الرئيس الأميركي ليس "مايسترو" التضخم، بل هو لاعب ثانوي في منظومة معقدة يقودها الاحتياطي الفيدرالي بأدوات السياسة النقدية. يمكن للرئيس التأثير بشكل غير مباشر عبر الضرائب، الإنفاق، أو الرسوم، لكن القرار الحاسم في ضبط التضخم يظل بيد الفيدرالي الذي يتحرك خارج الضغوط السياسية اللحظية.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet