بين مطرقة التصعيد الجمركي وسندان التحالفات الدولية، تسير الهند اليوم على خيط رفيع في علاقتها مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب. فعلى وقع التهديدات الأميركية بفرض رسوم إضافية على دول مجموعة بريكس "العدائية" تجاه الدولار، تركز نيودلهي على طمأنة واشنطن أنها لا تسعى لمنافسة هيمنة العملة الأميركية، وتحاول في الوقت نفسه الحفاظ على فرص التوصل لاتفاق تجاري تاريخي قبل نهاية العام، وسط توتر إقليمي وتوازنات حساسة مع الصين وروسيا.
ترمب يلوّح بعقوبات… والهند تراقب بلا مواجهة مباشرة
في خضم التحضيرات لعودة الرسوم الجمركية الأميركية في أغسطس، أعلن ترمب رسميًا فرض رسوم بنسبة 50% على البرازيل، وهو أعلى معدل ضمن جولة الرسوم الأخيرة التي تستهدف أعضاء بريكس. يأتي ذلك بعد قمة بريكس في ريو دي جانيرو، حيث أصدر القادة بيانًا مشتركًا انتقدوا فيه السياسات الحمائية الأميركية.
في المقابل، اختارت الهند عدم الدخول في مواجهة علنية أو التصعيد الإعلامي، بخلاف ردود البرازيل وجنوب أفريقيا. وأكد مسؤولون في نيودلهي أن بلادهم تراقب عن كثب التهديدات الأخيرة، لكنها لا ترى خطرًا وشيكًا، وتحرص على التأكيد بأن هدفها ليس إضعاف الدولار الأميركي أو المشاركة في أي محاولات لـ"إزالة الدولرة".
الهند ترفض "العملة البديلة" وتراهن على الحياد
يشدد دبلوماسيون هنود على أن المشاركة في تسويات تجارية بالعملات المحلية تهدف فقط إلى تقليل المخاطر، وليست خطوة باتجاه تشكيل عملة بديلة موحدة لدول بريكس، وهو ما تدفع نحوه الصين وروسيا. ويقول موهان كومار، المفاوض الهندي السابق في منظمة التجارة العالمية:
"الهند ميّزت مرارًا بين التسويات المحلية وفكرة إزالة الدولرة… وهي لا تقع ضمن دائرة الاستهداف."
ومع استعداد نيودلهي لتولي رئاسة بريكس عام 2026، تستعد الحكومة لإبراز اختلافها عن الأعضاء المتشددين، وتعتبر أن مكانتها الاستراتيجية وشراكتها مع واشنطن تضمن معاملة مختلفة عن باقي الكتلة.
اتفاق التجارة… اختبار للعلاقة الهندية-الأميركية
رغم التطورات الأخيرة، يبقى كثير من المسؤولين في نيودلهي وواشنطن يعوّلون على إتمام الاتفاق التجاري المنتظر بين البلدين بحلول الخريف، ما سيمثل مؤشرًا قويًا على متانة العلاقة. فالهند لطالما اعتبرت حليفًا استراتيجيًا في مواجهة صعود الصين، وهو ما أكده نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في أبريل بقوله:
"مصير القرن الحادي والعشرين سيتحدد بقوة الشراكة بين أميركا والهند."
ومع ذلك، تلوح بوادر توتر في الأفق، خاصة بعد أن نسب ترمب لنفسه دورًا في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان في مايو. وقد رفض رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي استخدام "ورقة التجارة" كورقة مساومة في الملفات الأمنية. كما أن التواصل الأميركي مع قيادة الجيش الباكستاني بعد الأحداث الأخيرة زاد من قلق نيودلهي.
المفاوضات مستمرة… والتهديدات ورقة ضغط؟
بعد أشهر من المباحثات، سلّم الوفد الهندي العرض الأفضل للإدارة الأميركية ويترقب الرد. ويرى مراقبون أن تهديدات ترمب الأخيرة برفع الرسوم الجمركية ربما تكون أداة تفاوضية لانتزاع مزيد من التنازلات.
ويشير الدبلوماسي كومار إلى أن:
"من الضروري التمييز بين خطابات الرئيس ترمب وإجراءاته الفعلية."
ويُذكر أن ترمب لوّح سابقًا بفرض رسوم بنسبة 100% على أعضاء بريكس إذا ما أقدموا على التخلي عن الدولار في معاملاتهم الثنائية.
الخلاصة
تجد الهند نفسها في موقع حساس، تستفيد من كونها شريكًا استراتيجيًا للولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، تتفادى الصدام مع توجهات واشنطن تجاه بريكس والدولرة. نجاح أو تعثر الاتفاق التجاري المقبل سيعكس مدى قدرة نيودلهي على تحقيق توازن فريد في لعبة المصالح الدولية المعقدة.
📩 اشترك الآن لتصلك تحليلات مركب مباشرة إلى بريدك الإلكتروني!
📩 تابعنا على قناة التلغرام: https://t.me/murakkabnet
🐦 انضم إلينا على تويتر: murakkabnet